إن روعة َ التخييل في الرَّائيةِ لمْ يقفْ عند حدود توظيف التشبيهِ والاستعارةِ والطباق .. فقط، بل في كيفية نظم المعاني الشريفةِ والشمائل الرفيعةِ في تأليفٍ لغويٍّ تضايَفَ فيه الإيقاعُ والصورةُ لتشكيل صورةٍ مدْحيةٍ، طرفها الأول خفيّ والثاني جليّ، إذ جعل الطائيُّ الرَّبيعَ يُضارعُ خِصالَ المعتصم ِ وفضائلـَهُ من أريحيةٍ وعدل ٍ وخير ٍ عمَّ الرَّعية َ جميعَها. بتعبير آخرَ، استطاعَ أبو تمَّام أن يقدِّمَ لخيراتِ عهدِ المعتصم وطيباتِه التي نوَّهَ بها في مدحِهِ لهُ بهذا الوَصْفِ للرَّبيع وحسناتِهِ، ممَّا يجعلُ بنية َ الطبيعةِ منسجمَة ً أشدَّ الانسجام مع بينةِ المديح، مستلهمة ً منها وعاكسة ً لها في وفاق ٍ واتـِّسَاق ٍ عزَّزَ ذاتهُ عبرَ آلياتٍ عدَّةٍ:
· الضمير: غرسَ الشتاءُ بكفه، آسى البلادَ بنفسهِ، نظم البلاد، فأصبحت وكأنها عقدٌ، كأن العدلَ فيهِ جوهرُ ... فالمطرُ فاعلٌ في تحويلِ جدْب ِ الثرى خصبا ً ونضارة ً وحيوية ً وجمالا ً، والمعتصمُ قادرٌ على بسْطِ النظام ِ والأمن ِ والاستقرار ِ في ربوع ِ البلاد ومنح الرَّعية العيش الرغيد، تؤازره في ذلك العُصَبُ اليمنيَّة ُ والمُضريَّة ُ. فالضميرُ المتصلُ ’’ـه‘‘ و ’’ـها‘‘ أو المستتر ’’هو‘‘ العائدُ على الشتاءِ والخليفةِ معاً يُحيلانِ على ذاتيْهما إحالة ً نصِّيَّة ً في بنيةٍ لغويةٍ مُنغلقةٍ سعياً لتذويبِ التقابُل وصَهْرهِ في بوتقةِ التناغُم والإلفِ.
· العطف: لَحَمَ البنيتين معاً بأداةِ الواو خالقا بذلك جُسُورَ التَّواصُل بين الطبيعة/الخليفة من خلال تقابلاتٍ:
فالصورةُ تنهضُ على ثنائياتٍ فرعيَّةٍ تتماهى فيها الأضدادُ وَفق قيدِ التناظـُر بين الحدودِ والحمول : الأرض/النبات، عدل الإمام/طراوة النبات، جود الإمام/إزهار النبات.
· تكرار بعض الألفاظ: سواءٌ في البنية الأولى أو الثانية: الدهر، الليالي، الشتاء، المصيف، الربيع، الربيع، مطر، غيث، صحو، الإمام، الخليفة ... في تركيب ٍ لغويٍّ خرَق مساحاتِ التباعُد والنفور والتوتر بيْن المستعار مِنه والمُسْتعار له وقاربَ بينهما في مماثلةٍ متوازيةٍ.
· الانتقال من العام إلى الخاص: إذ الانتقالُ من تعْـدادِ مزايا الطبيعةِ النضرةِ وما أعقبَهُ من تأثير ٍ إيجابيٍّ لحركةِ الزمن ِ على أديمِها منْ تحوُّل ٍ وتغيُّر ٍ بَهي ٍّ إلى إبْراز قدْرةِ المَمْدوح على التنظيم والضَّبْطِ وإسعادِ الرَّعيةِ .. كلُّ ذا في بناءٍ قوَّضَ توصيَّاتِ ابن قتيبة في تنظيرهِ للقصيدِ المدحيِّ، وإلزامِهِ الشعراء المحدثين بعَدَم الخروج عن خُطى أضرابهم المتقدِّمينَ في مخاطبةِ الممدوح، بصورةٍ فجَّرَتْ تحدّي سُلطةِ الإبداع لسُلطةِ النقدِ.
إجمالاً، قادنا الاقترابُ التحليليُّ لرائيةِ أبي تمَّام إلى تفريع القصيدِ إلى بنيتين جُزئيتيْن تناغمتا في انسجام عَبْرَ مُختلفِ الآلياتِ والوسائطِ المعجميةِ والتخييليةِ والتركيبيةِ والإيقاعيةِ لتحقيق مَقصديةٍ محددة: نيل إعجابِ المعتصم ومنْ ثمَّة الظفر بهبتِه وجَزيل عَطائِه.
المراجع:
ديوان أبي تمام: شرح الخطيب التبريزي، تحقيق محمد عبده عزام، المجلد الثاني، دار المعارف، الطبعة الرابعة، (د.ت)، 197-191.
مقدمة القصيدة العربية في العصر العباسي الأول: د. حسين عطوان، دار الجيل، بيروت، طII، 1987، 193-190.
بنية الازدواج والتوازن في شعر أبي تمام: أ. رشيد شعلال، مجلة عالم الفكر، ع1، م33، يوليو – سبتمبر 2004، ص 243-209.
الوزن والقافية : د. عثمان موافي، مجلة الدارة، ع3، س12، ربيع الآخر 1407هـ ديسمبر 1986م، ص 234-221.
· الضمير: غرسَ الشتاءُ بكفه، آسى البلادَ بنفسهِ، نظم البلاد، فأصبحت وكأنها عقدٌ، كأن العدلَ فيهِ جوهرُ ... فالمطرُ فاعلٌ في تحويلِ جدْب ِ الثرى خصبا ً ونضارة ً وحيوية ً وجمالا ً، والمعتصمُ قادرٌ على بسْطِ النظام ِ والأمن ِ والاستقرار ِ في ربوع ِ البلاد ومنح الرَّعية العيش الرغيد، تؤازره في ذلك العُصَبُ اليمنيَّة ُ والمُضريَّة ُ. فالضميرُ المتصلُ ’’ـه‘‘ و ’’ـها‘‘ أو المستتر ’’هو‘‘ العائدُ على الشتاءِ والخليفةِ معاً يُحيلانِ على ذاتيْهما إحالة ً نصِّيَّة ً في بنيةٍ لغويةٍ مُنغلقةٍ سعياً لتذويبِ التقابُل وصَهْرهِ في بوتقةِ التناغُم والإلفِ.
· العطف: لَحَمَ البنيتين معاً بأداةِ الواو خالقا بذلك جُسُورَ التَّواصُل بين الطبيعة/الخليفة من خلال تقابلاتٍ:
فـي الأرض منْ عدْل الإمَام وجُودِه ومِن النباتِ الغضِّ سُرجٌ مُزْهِرُ
فالصورةُ تنهضُ على ثنائياتٍ فرعيَّةٍ تتماهى فيها الأضدادُ وَفق قيدِ التناظـُر بين الحدودِ والحمول : الأرض/النبات، عدل الإمام/طراوة النبات، جود الإمام/إزهار النبات.
· تكرار بعض الألفاظ: سواءٌ في البنية الأولى أو الثانية: الدهر، الليالي، الشتاء، المصيف، الربيع، الربيع، مطر، غيث، صحو، الإمام، الخليفة ... في تركيب ٍ لغويٍّ خرَق مساحاتِ التباعُد والنفور والتوتر بيْن المستعار مِنه والمُسْتعار له وقاربَ بينهما في مماثلةٍ متوازيةٍ.
· الانتقال من العام إلى الخاص: إذ الانتقالُ من تعْـدادِ مزايا الطبيعةِ النضرةِ وما أعقبَهُ من تأثير ٍ إيجابيٍّ لحركةِ الزمن ِ على أديمِها منْ تحوُّل ٍ وتغيُّر ٍ بَهي ٍّ إلى إبْراز قدْرةِ المَمْدوح على التنظيم والضَّبْطِ وإسعادِ الرَّعيةِ .. كلُّ ذا في بناءٍ قوَّضَ توصيَّاتِ ابن قتيبة في تنظيرهِ للقصيدِ المدحيِّ، وإلزامِهِ الشعراء المحدثين بعَدَم الخروج عن خُطى أضرابهم المتقدِّمينَ في مخاطبةِ الممدوح، بصورةٍ فجَّرَتْ تحدّي سُلطةِ الإبداع لسُلطةِ النقدِ.
إجمالاً، قادنا الاقترابُ التحليليُّ لرائيةِ أبي تمَّام إلى تفريع القصيدِ إلى بنيتين جُزئيتيْن تناغمتا في انسجام عَبْرَ مُختلفِ الآلياتِ والوسائطِ المعجميةِ والتخييليةِ والتركيبيةِ والإيقاعيةِ لتحقيق مَقصديةٍ محددة: نيل إعجابِ المعتصم ومنْ ثمَّة الظفر بهبتِه وجَزيل عَطائِه.
المراجع:
ديوان أبي تمام: شرح الخطيب التبريزي، تحقيق محمد عبده عزام، المجلد الثاني، دار المعارف، الطبعة الرابعة، (د.ت)، 197-191.
مقدمة القصيدة العربية في العصر العباسي الأول: د. حسين عطوان، دار الجيل، بيروت، طII، 1987، 193-190.
بنية الازدواج والتوازن في شعر أبي تمام: أ. رشيد شعلال، مجلة عالم الفكر، ع1، م33، يوليو – سبتمبر 2004، ص 243-209.
الوزن والقافية : د. عثمان موافي، مجلة الدارة، ع3، س12، ربيع الآخر 1407هـ ديسمبر 1986م، ص 234-221.
الجمعة 02 مارس 2012, 05:08 من طرف د.بوفولة بوخميس
» مفهوم السرد
الجمعة 15 أكتوبر 2010, 14:06 من طرف حس
» سنة دراسية موفقة للجميع
الخميس 23 سبتمبر 2010, 10:38 من طرف missalam
» طلب مساعدة من طلبة علم الاجتماع بفاس سايس.
الأحد 12 سبتمبر 2010, 04:34 من طرف bahansen
» استعمــــال الزمــــــــن 5+6 عربية
الأحد 13 سبتمبر 2009, 03:51 من طرف Admin
» مقرر تنظيم السنة الدراسية 2010 ـ 2009
الأحد 13 سبتمبر 2009, 03:48 من طرف Admin
» مبادیء تحليل النص القصصی 09
الأحد 09 أغسطس 2009, 17:17 من طرف jam
» مبادیء تحليل النص القصصی 08
الأحد 09 أغسطس 2009, 17:15 من طرف jam
» مبادیء تحليل النص القصصی 07
الأحد 09 أغسطس 2009, 17:12 من طرف jam